Tahar Omri
بسم الله الرحمن الرحيم
قراءة في قصيدة *قبانية الشام التي لم يكتبها نزار* للشاعر الجزائري الكبير محمد جربوعة
مقدمة
وأنا منهمك في جمع شتات قراءة سابقة لقصيدة *إشاعات* لنفس الشاعر المذكور
انقح ،وأزيد ما قد نقص إذ بنظري يقع على قصيدة اخرى بعنوان *قبانية الشام التي لم يكتبها نزار *كان ذلك على صفحتي في الفايس بوك .فتوقفت على الفور عما كنت أفعله لأن هذا العنوان استوقفني لأني رأيته لوحده قصيدة وكم كانت فرحتي كبيرة وسعادتي أكبر أتعرفون لماذا ؟ لأني كدت أنسى مع الناسين كلمة اسمها الشام لكثرة الصمت المطبق الذي يدور حولي حتى بدا لي أن الكلام في هذا الموضوع قد صار طابو من الطابوهات ،فما يقرره الأقوياء يجب أن يسود الجميع .
قيانية الشام التي لم يكتبها نزار هي مذهلة أخرى من مذهلات الشاعر الجزائري الكبير محمد جربوعة ليس لأن الشاعر أول من تناول هذا الموضوع فحسب بل للطريقة التي تناول بها الموضوع ،فهاهي الكلمة الجميلة تستحوذ على عقول المتلقين وقلوبهم مرة أخرى بدءا بالعنوان الى النص.
قبانية نسبة الى قباني ، فقباني هو نزار ونزار هو قباني،إنه أي الشاعر يسمي قصيدته بالقبانيةوالسؤال المطروح هنا هو لماذا لا يسميها مثلا جربوعية؟
انه -الشاعر- يتحمل المشقة والعبء ،إنه يتكفل شخصيا ووجدانيا بموضوع دمشق هذا الاسم الشامخ الذي كان وما زال يطرب أذن كل سامع وذلك في غياب نزار الذي لم يكتب عن هذا لأنه ليس حاضرا الآن من حسن حظه وفي حضوره لم تترك سعادة وهدوء وحب دمشق لنزار أن يكتب في مثل ما يكتب الآن محمدجربوعة لقد كتب نزار مرة واحدة في مثل هذه الحالات وكان ذلك في نكسة حزيران وفيما عدا هذا كان نزار يصف المرأة في أبهى صورها حتى صار شعره يرتشف مع قهوة الصباح .
قبانية :خبر لمبتدأ متعلق بمبتدأ محذوف هو هذه،وهي مضاف والشام مضاف إليه والتي صفة وما بعد لم جملة صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.
فلا صلة لكلمات القصيدة بنزار يظهر هذا من الوهلة الاولى حتى لا يختلط الأمر على المتلقي ، إنه انزياح آخر جميل لجربوعة فدمشق اليوم ليست دمشق نزار ،دمشق نزار هي دمشق الحب ،دمشق السعادة دمشق الحضارة .
إنه -الشاعر- يقول :انهض يا نزار وانظر دمشقك
إنه -الشاعر محمد جربوعة-يقول:أنا هنا أنا لها لم لا وكلماته ذهب يلبسه خواتم في يديه.
قالت :أتعرف ما أحس؟وما أريد؟
قلت:اطلبي..قالت:ولي طلب وحيد
إني أريدك أن تقول قصيدة
في الشام تصبح في الشوارع كالنشيد
فوضعت كفي فوق رأسي هكذا
وأشرت للعينين من جهة الخدود
فهمت على رأسي وعيني تكرمي
والشاميات إذا طلبنا فلا محيد
شردت وقالت لو نزار ها هنا
فأجبتها إني هنا فدعي الشرود
قالت :غرورك في القصيدة مذهل
والحكم يبقى على القصيد
يبدأ الشاعر قصيدته بهذا الحوارالتفاوضي كأنها جاءت بعد مخاض عسير والعسر سمة من سمات التفاوض ،لكن عهدي بالشاعر لا يترك ما يختلجه الصدر في صدره عهدي به يبوح ليتخلص من معاناته ،ليتخلص من مكنوناته ،فالسؤال الذي يطرح نفسه ها هنا،
ما سبب هذا البوح الذي جاء بعد الطلب طلب الشامية-الذات المقلقة- التي أرادت أن تكون القصيدة نشيدا في الشوارع يتغنى بها كل الناس بعد أن يتلقفوها ؟،ما سبب هذه الولادة العسيرة
التي توجت هذا التفاوض على البوح؟وياله من تتويج إنه قصيدة اختلفت عن كل القصائد التي تحدث أصحابها عن الأوطان وعن النكسات التي أصابتها كما دمشق الآن.
وللإجابة عن الأسئلة السابقة تعالوا نقرأ هذين الشطرين اللذين يمثلان بؤرة تشع بالدلالات:
عندما طلبت الشامية-الذات المصارعة- من الشاعر أن يقول قصيدة في الشام،هلع وقال:
فوضعت كفي فوق رأسي هكذا
وأشرت للعينين من جهة الخدود
وانت تقرأ هذين الشطرين فإنك تحاول أن تتمثل هذا المشهد فتضع أصبعك على خدك مشيرا إالى العينين محذرا من التطرق الى هذا الموضوع الذي أصبح من الطابوهات والموضوعات التي يمنع الحديث فيها ،
ونتسائل بعدها هل يحق للشاعر أن يسكت طول هذه المدة ولا يقول كلمة واحدة عن دمشق الشامخة عن دمشق الوليد ؟
في رأيي:والله يحق لشاعر مثل شاعرنا -محمد جربوعة-أن يسكت في هذه الظروف العصيبة التي اختلط فيها الحابل بالنابل يحق له لسبب واحد ، وهو كي لا ينطق كفرا
والمثل يقول:سكت دهرا ونطق كفرا،هذا من جهة ومن جهة أخرى فالقصيدة التي بين أيدينا ليست كفرا إنها قصيدة شامخة شموخ دمشق ،إن قائلها شاعر فاره حاذق يستخدم الكلمة استخداما لم يسبقه أحد فيها وعلى رأي الدكتور عباس الجنابي عندما علق على قصيدة -قدر حبه ولا مفر-لنفس الشاعر قائلا:لم يترك في هذه القصيدة لأحد أي شيء ،هاهو يفعلها محمد جربوعة مرة أخرى.
هذه الومضة الأولى للشاعر والطريقة التي دخل بها في بساط البوح كلاعب بالكلمات تارة وعازفا على جمال الكلمةطورا آخر.
لننتقل الآن في قرائتنا لهذا النص الثري به من الثابت الى المتحرك وأقصد بذلك من كائن لغوي الى كائن شخصي متحرك وبذلك نكون قد فككنا الدال واستنطقنا مدلوله والعلاقة بينهما ومن خلال قرائتنا السابقة للعنوان التي سبقت مستوى آخر كان الاجدر البدء به وهو المستوى الإيقاعي لكني تعمدت ذلك لعدم إتكائي على منهج واحد في قراءة هذا النص قلت ومن خلال القراءة تظهر لنا شعرية فيها كثير من العبقرية لأن الشاعر عبقري الخيال والجمال والحب زد على ذلك العمل المضمر في العنوان حتى أضحى يتوهج بالدلالة *قبانية الشام التي لم يكتبها نزار*فمن لايعرف نزار على شهرته ،يتسائل في البداية وما يكاد كذلك حتى يهتدي الى سر العلاقة بين الدال والمدلول،فقباني من الشام وقباني هو نزار ونزار غائب ،لكنه حاضَر بحضور الشاعر الذي تكفل بالشام وما يحدث فيها .
_قراءة النص:
1_المستوى الإيقاعي: علي أن أوضح أولا أنني عندما وقغت بنظري على القصيدة دون القراءة بدا لي أنها خالفت المعتاد في الوزن والقافية ونظام الشطرين وسوف أحيل القارئ في النهاية الى القصيدة كما وجدتها.
وعند قراءتي مرات ومرات إتضح أن القصيدة خليلية بامتياز .
وهذا مطلعها:قالت:أتعرف ما أحس؟ وما أريد؟**قلت اطلبي..قالت:ولي طلب وحيد
إني أريدك أن تقول قصيدة**في الشام تصبح في الشوارع كالنشيد
لقد اتخذ هذا النص الشعري الثري بلغته من البحر الكامل موسيقى إيقاعية له هذا البحر الذي لايناسب قدرة الشاعر في توليد المعاني وتطويع الحرف فحسب بل يناسب تجربته الشعرية التي ستلف القصيدة لفا والبحر الكامل يمنح هذا النص روحا جديدة في كل بيت وكل سطر فإذا سكنت الكلمة في الشطر الأول تتحرك في الشطر الثاني
لتحيا من جديد وطبيعة النص بموضوعه هي التي فرضت هذا البحر فالحياة تحتاج الى استمرار النبض والنبض دلالة على حياة القلب كيف لا والشاعر تكفل بدمشق ليس بالوكالة ولا بالانتحال أو التقمص وإنما بالقدرة الذاتية عنوانها التحد ي والجرأة .
شردت وقالت:لو نزار ها هنا ***فأجبتها:إني هنا فدعي الشرود
فبمجرد ما همست له نفسه -الشاعر- والنفس أمارة بالسوء والسوء الذي أقصده هنا هو
أن النفس نفس الشاعر أرادت أن تثنيه عما هو مقدم عليه فيجيبها على الفور إني هنا
لقد أراد الشاعر بالبحر الكامل وعمود الشعر عامة أن يقول أنا لها وهو ما حققه في النهاية في نظري عبر هذه القصيدة التي جاءت كسابقاتها :قدر حبه،إشاعات،نسيان.....إلخ.
ولك أن تتخيل عزيزي القارئ وأنت تستقر على تفعيلة البحر الكامل:متفاعلن متفاعلن متفاعلن هذا التماثل الجميل في التفعيلات وتكرارها، وماله من قيمة دلالية عميقة
يعمق التجربة التي يعانيها الشاعر من جهة والموقف الذي هو فيه من جهة أخرى وهوإزاء الحديث عن موضوع له فيه باع طويل إنه موضوع دمشق التي يعرفها كما يعرف نفسه إن تراكم هذه الأصوات وتشابهها وتعادلها والذي يتسلط على كثير من جمل النص وتفعيلاته ليس في الحقيقة موسيقى تفرضها القصيدة الخليلية فقط وإنما هي إشارة ومشروع رسالة قوية مفادها أنني إذا كنت قد كتبت في شعر التفعيلة ليس هذا هروب مني من التكلف والعوائق التي قد تعترض البوح فالشام شام الله وجذورها ضاربة في التاريخ الا تستحق قصيدة خليلية فراهيدية شامخة شموخ دمشق. ويكون الفراهيدي شاهدا على ذلك
أمثلة عن التشابه والتماثل:
بالشعر تهزم بالقوافي ،بالندى***بالبيت والبيتين تهزم،بالعمود
تثقين في-بقين- في إطفائها***تثقين في- بيبرس-في صد الجنود
وهذا التماثل والتشابه لا يمثل ما تكلمت عنه سابقا فحسب وإنما أيضا يعتبر سمة من سمات الشعرية لشاعر يطلق العنان لكلماته تقول و تشع دلالة.
2_ المستوى المعجمي : إن النص الذي بين أيدينا له من الثراء ما يجعله مؤهلا لإعادة القراءة لما في المعجم من دلالات متداخلة وكامنة لكنها متحركة هذا التحرك الذي اضفى جمالية معهودة لدى الشاعر .
يتكون هذا النص من 125فعلا و234 اسما و تنقسم الأفعال الى 22فعلا ماضيا و8 افعال امر بما يعني95 فعلا مضارعا.
فالملاحظة الأولى هي غلبة الأسماء على الأفعال لان الشاعر له يقين كبير في عدم استمرار الحالة التي هو بصدد الحديث عنها فحالة دمشق لا يجب ان تستمر فدمشق كيان ثابت ضارب في الجذور والاسماء الغالب على الافعال سمتها الثبات لا الحركة.
هي فرصة للماء كي يرتاح من*** لهو الدوائر ..لو قليلا بالركود
النوم انفع للصغار بسنه ***وغدا سيلعب بالنواعر من جديد
ولقد استعمل الشاعر8افعال أمر: اطلبي،دعي،تدللي،والتنتقي،اسمعي مرتين،اطمئني،تأكدي،ليؤكد أن الحالة التي تعانيها دمشق ليست مؤكدة وان الشام تعرف أهلها والامر الذي يحدث اليوم ليس حالة دائمة
-3- المستوى التركيبي:بعد صراع مع النفس يقرر الشاعر كتابة قصيدته في تحد منفرد منقطع النظير وهذا الصراع في الحقيقة جاء نتيجة تواضع هذا الاخير فهو لايريد أن يكتب قصيدة في حضرة الشاعر الراحل نزار حتى وهو ميت وهذا نبل من شاعر يعرف حق قدر شاعر وأي شاعر إنه نزار،لكن مايلبث هذا الصراع أن يضع حدا بعد الاستعطاف الجميل الذي جاء من الذات المصارعة للذات الشاعرة:
شردت وقالت لو نزار ها هنا****فاجبتها إني هنا فدعي الشرود
الإجابة كانت فورية وسريعة وليست متسرعة لأن الذات الشاعرة متمرسة ولديها ما يكفي من الجمال جمال الكلمة وما يكفي من التجربة الشعرية ،الخيال والجمال والحب
_قالت غرورك في القصيدة مذهل****والحكم يبقى في الأخير على القصيد
يالله،الشاعر كانه يساعدني في فك واستنطاق دلالات كلماته من بيت إلى آخرلذلك التركيب جاء غير معقد لا بالتأخير ولا بالتقديم على الرغم من الإنزياح الكلي للقصيدة الذي حول فيها الشاعر دمشق من شامخة تنكسر الآن على وقع ما يحدث لها إلى عروس يحتفل بها ويعطرها بأجمل ما في بحر اللغة.
هذي المدينةكالخرافة ،اسمعي****مملوءة بالسحركالعقد الفريد
قالت أشك بقدرتي في فهمها****وأشك في البسماتفي شفة الحقود
قلت الصوامع في السوادترينها****قالت أراها ،قلت:عادتها الصمود
-إذا كانت نكبة دمشق تحتاج إلى قصيدة تتوافق وهذا المعطى ففي هذا الخطاب تتحول دمش المنكوبة دمشق المطأطئة دمشق الراكعة من الذل الذي لحق بها إلى فتاة صغيرة
تجري وتلعب وتسقط لتنهض من جديد ولولا هذا السقوط ما نهضت ،إلى قلب بريء مثل بسمتها،الى طفل صغير يخاف من صوت الرعود
وتحب إطعام الحمام بكفها***وتخاف كالأطفال من صوت الرعود
ماذا تقول ؟دمشق أجهل طفلة****بالفعل يحرق أو يشردأو يبيد
قلت الصغيرة والبريئة دائما****تجري وتسقط ثمتنهض من جديد
أما البلاغة في هذا الخطاب فهي متحولة لأن الشاعر بصدد تخفيف الوطأة على الذات المتصارعة فلا يمكن له أن يكتب قصيدة رثائية ينعى فيها دمشق فدمشق تعرف أهلها ودمشق تعرف في الحرب كيف تصنع بالورود فضد الحزن والمعاناة السعادة التي تفوح رائحتها في هذه القصيدة
يتحول الدخان دخان البارود وما شاكل الى دخان عود طيب الرائحة وهذه الصورة المليئة بالدلالات نجدها في هذه الأبيات:
النار تحرق في دمشق عبيرها***لتفوح بالإحراق،رائعة كعود
فالنار هنا التي تحرق في دمشق إنما هي ناتجة عن رائحة العود الطيب
كأني بالشاعر يقول : إن الذي يحدث في دمشق ماهو الا أمر طبيعي
فثنائية الصراع بين الخير والشر ماهي إلا سقوط يتلوه نهوض _إن بعد العسر يسرا_
بهذا فقط تستطيع الذات المتصاررعة أن تهدأ فتهدأ معها الذات الشاعرة.
فا المستوى التركيبي لم يستوقفنا كثيرا لبعد القصيد عن التعقيد النحوي لأن الشاعر تعامل مع القصيدة في الحقيقة بذكاء فالخطاب هنا موجه للكل ومخاطبة الكل تقتضي الحديث بما يفهم لا ترك المتلقين يهيمون باحثين عن وظيفةكل كلمة ومحلها وعلاقتها بما قبلها وما بعدها وتقديمها أوتأخيرها
لكن على المستوى البلاغي فقد أخذت البلاغة حصة الأسد لأن الشاعر إنزاح بالقصيدة
ليحول دمشق بحالتها الآن إلى دمشق أخرى دمشق المعطرة دمشق العروس
دمشق التي ستولد من جديد ،فاستعمل -الشاعر- الاستعارة والمجاز والتمثيل وكل ما يتعلق بالصورة
لله علّمها طريق ذهابها
وطريقَ عودتها، وتذهب كي تعودْ
قد شُبّهتْ مثل المسيحِ لترتقي
وفقطْ ليُصلبَ دونها واشي اليهودْ
(كرمال عيون الشام) هذي فلةٌ
كي تعرفي ما الفلّ في الزمن الشديدْ
والورد شيمته الوفاء لعطرهِ
حتى إذا في الحرب يُسقى بالوقودْ
فتصلّبي للنار لا تتفحّمي
فبنات أهل الشامِ أشبه بالورودْ
-4 المستوى الدلالي :قد كانت المستويات السابقة الايقاعي والمعجمي والتركيبي
الاطار العام للقصيدة وهي المكونة للبنية الأساسية للنص فمن العنوان تتبين دلالات النص فالشاعر لم يسم قصيدته بالجربوعية كما أسلفت بل سماها بالقبانية
ونحن نعرف قبان نزار الذي كتب كثيرا عن جمال المرأة ووصف أجمل ما فيها
والسؤال هنا :إذا كان نزار كذلك ،فكيف يسمي الشاعر جربوعة باسمه قصيدة طبعا دون أن ينسبها إليه وهي تتحدث عن غير الجمال إنها تتحدث عن أبشع من غير الجمال إنها تتحدث عن الحرب وما لحقته بدمشق هذا هو المفترض فيه أن يكون تلك هي المسألة التي تحدثت عنها في البداية في تحليلي للعنوان ولكم أن تعودوا إليه ؟.
فمن البداية تتضح الدلالة وتتوسع وتدخل ضمن بؤر تكاد تكون مخفية داخل النسيج نسيج القصيدة وهذه هي سمة الشعر الحديث.
حيث تظهر لنا بعد تحسسنا لبنيات النص شخصيتان متصارعتان :الذات المقلقة وهي النفس وما تحدثه من تصورات وتخيلات وعذابات ومعاناة دائمة .
والذات الشاعرة التي فضلت الصمت في البداية لأن الكلام في مثل هذا الموضوع في مكان معين وفي زمان معين قد يجلب مشاكل للذات الشاعرة هي في غنى عنها
قالتْ: أتعرفُ ما أحسُّ ؟ وما أريدْ ؟
قلتُ: اطلبي..قالتْ: ولي طلبٌ وحيدْ
إنّي أريدكَ أن تقولَ قصيـــــــــــــــدةً
في الشّامِ، تصبحُ في الشوارع كالنشيدْ
فوضعتُ كفّي فوق رأسي هكذا
وأشرتُ للعينينِ من جهة الخدودْ
فهِمَتْ:على رأسي وعيني..(تِكْرَمي)
والشامياتُ إذا طلبنَ فلا مَحيدْ
وأخيرا تتغلب الذات الشاعرة على الذات الممصارعة ،وذلك بالإهتداء إلى كتابة قصيدة عن دمشق كما تراها الذات الشاعرة لا كما تراها الذات الأخرى التي
شردتْ وقالتْ: (( لو نِزارٌ هاهنا..))
فأجبتُها: إني هنا.. فدعي الشرودْ
قالتْ: غروركَ في القصيدة مذهلٌ
والحكمُ يبقى في الأخير على القصيدْ
قلتُ: الخواتمُ في يديّ، تدلّلي
ولتنتقي منها لشامكِ ما تريدْ
ما لي أراكِ غزالةً مفزوعةً
والنبض في جنبيكِ كالظبي الطريدْ ؟.
5_رسالة النص
الرسالة من ناحية العنوان كانت واضحة لغويا فالقصيدة من ناحية العنوان كانت إهداء الى روح الشاعر الكبير نزار قباني من جهة ومن جهة أخرى هو تكفل من طرف الشاعر بدمشق لكنه أي تكفل فالشاعر لا يريد أن يفزع نزار الغائب بما يحدث في دمشقه التي تركها على خير حال بل عمد الى إ مواصلة المشوار مشوار نزار في الحديث عن دمشق كما لو كانت في عهده وما يحدث ماهو إلا قدر إلهي ولعل البيتين الآتيين يوضحان ما ذهبت اليه في استنطاق الدلالة.
لنفترضْ أنّ الهوى فيها انحنى
هل تُنقصُ العُبّادَ وضعيةُ السجودْ ؟
الأمر معقولٌ هنا جدا ولا
يحتاجُ في إثبات ذلك للشهودْ
ما هذا التصوير البديع كيف لبلد يركع وينحني احتراقا أن يكون عابدا كأني بي استحضر الآيات الكريمة
قال الله تعالى : ( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى العَالَمِينَ ) (البقرة: من الآية251 )
وقال تعالى : ( وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) (الحج:40-41
هل هناك تصوير أجمل وأبدع مما يبدعه الشاعر هكذا أراد أن يخرج الذات الحزينة مما هي فيه باستسلا مها لقضاء الله وقدره تلك هي الرسالة التي أراد الشاعر من جهةالنص أن يبلغها . وفق الله شاعرنا وأدعوا كل المهتمين بالكلمة الالتفات الى هذا الشاعر الفاره الجميل
قراءة:الأستاذ الشاعر :الطاهر عمرئ
قبّانية الشام التي لم يكتبها نزار
شعر : محمد جربوعة
إطلع على مواضيعي الأخرى
[ شوهد : 324 مرة ]
الشاعـــر : محمد جربوعة
قالتْ: أتعرفُ ما أحسُّ ؟ وما أريدْ ؟
قلتُ: اطلبي..قالتْ: ولي طلبٌ وحيدْ
إنّي أريدكَ أن تقولَ قصيـــــــــــــــدةً
في الشّامِ، تصبحُ في الشوارع كالنشيدْ
فوضعتُ كفّي فوق رأسي هكذا
وأشرتُ للعينينِ من جهة الخدودْ
فهِمَتْ:على رأسي وعيني..(تِكْرَمي)
والشامياتُ إذا طلبنَ فلا مَحيدْ
شردتْ وقالتْ: (( لو نِزارٌ هاهنا..))
فأجبتُها: إني هنا.. فدعي الشرودْ
قالتْ: غروركَ في القصيدة مذهلٌ
والحكمُ يبقى في الأخير على القصيدْ
قلتُ: الخواتمُ في يديّ، تدلّلي
ولتنتقي منها لشامكِ ما تريدْ
ما لي أراكِ غزالةً مفزوعةً
والنبض في جنبيكِ كالظبي الطريدْ ؟
أولستِ بنت الشّام ؟ قالت لي: بلى
أولستِ مؤمنةً بعاصمة الوليدْ ؟
قالت: صحيحٌ أنني شاميّةٌ
لكنني أنثى، أخافُ بلا حدودْ
إني أخاف على دمشقَ وأهلها
قلت: اطمئنّي سوف يحفظها المجيدْ
قالت: أوَعْدٌ ؟قلتُ: وعدٌ صادقٌ
وستذكرينَ – تأكّدي- هذي الوعودْ
وستضحكينَ مِن الذي قد قلتِ لي
قالت: سأضحكُ حين يبتسمُ الشهيدْ
هذي المدينةُ كالخرافةِ ، اسمعي
مملوءةٌ بالسحر، كـ ( العقد الفريدْ)
قالت: أشكّ بقدرتي في فهمها
وأشكّ في البسمات في شفة الحقودْ
لم أقرأ (العقد الفريدَ) I am sorry
لكن دمشقُ أحسّها جوف الوريدْ
قلتُ: الصوامعُ، في السوادِ، ترينها؟
قالت: أراها، قلت: عادتها الصمودْ
تثقينَ في (بقّينَ) في إطفائها؟
تثقين في (بيبرسَ) في صدّ الجنودْ ؟
تثقينَ في (قسيونَ)؟ يضحك ساخرا
إن قيل إنّ الشام تُحرق في السفودْ ؟
تثقينَ فيها؟..في شوراعها التي
في الحرب تعرف كيف تصنع بالورودْ؟
قالت: دمشقُ صغيرةٌ وبريئةٌ
لدمشق قلبٌ مثل بسمتها سعيدْ
وعلى الدمى كانت تنامُ، وحلمها
عنْ وردتينِ على الضفائرِ لا يزيدْ
وتحبُّ إطعام الحمامِ بكفّها
وتخافُ كالأطفالِ مِن صوت الرعودْ
ماذا تقولُ؟دمشقُ أجهل طفلةٍ
بالفعل ( يحرقُ) أو (يشرّدُ) أو (يبيدْ)
قلتُ: الصغيرةُ والبريئةُ دائما
تجري وتسقطُ ثم تنهض من جديدْ
هل تعرفين دمشق مثل جبالها؟
ومياهها وترابها منذ الجدودْ ؟
ولنفترضْ أنّ الهوى فيها انحنى
هل تُنقصُ العُبّادَ وضعيةُ السجودْ ؟
الأمر معقولٌ هنا جدا ولا
يحتاجُ في إثبات ذلك للشهودْ
العقدُ يمكن أن يضيعَ وفصّهُ
هل ذاك يعني للبنات ضياعَ جيدْ ؟
لا تحزني.. فالشامُ تعرفُ أهلها
وتشمّهم كالثوب في سلك الحدودْ
كل العواصمِ قد تحزّ قيودُها
والشامُ تخجلُ مِن معاصمها القيودْ
النارُ تحرقُ في دمشق عبيرها
لتفوح بالإحراق، رائعةً كعودْ
هل تعلمينَ بأنّها محميةٌ ؟
قالت: أها.. وإذن فمنكم نستفيدْ
هذي شآم الله ليست (دميةً
روسيةً) للشرقِ جاءتْ في البريدْ
الله علّمها طريق ذهابها
وطريقَ عودتها، وتذهب كي تعودْ
قد شُبّهتْ مثل المسيحِ لترتقي
وفقطْ ليُصلبَ دونها واشي اليهودْ
(كرمال عيون الشام) هذي فلةٌ
كي تعرفي ما الفلّ في الزمن الشديدْ
والورد شيمته الوفاء لعطرهِ
حتى إذا في الحرب يُسقى بالوقودْ
فتصلّبي للنار لا تتفحّمي
فبنات أهل الشامِ أشبه بالورودْ
لا تذكري حلبا..فتلك حكايةٌ
أخرى تعود بنا إلى وجع القدودْ
بالشعر تَهزمُ ،بالقوافي، بالندى
بالبيت والبيتينِ تهزم، بالعمودْ
بـ (أتابكية قانَصوهَ) وحبرها
بأبي فراسٍِ ممسكا (باب الحديدْ)
حمصٌ..جذورُ العهدِ فيها تينةٌ
تمتدُّ تحت ترابها لابنِ الوليدْ
فالنسغُ من تلك العظام شجاعةٌ
تسري بغصن، أو تبرعمُ بالبنودْ
لا تلمسي ناعورة مكسورةً
تدري حماةٌ كيف تجبُرُ كسرَ عودْ
يشتاق ماء النهر أدري جيدا
مثل الصغار إلى أراجيح السدودْ
قالت: نعمْ..والماءُ طفلٌ عابثٌ
حرموهُ من حقّ الطفولة في الوجودْ
قلتُ: اسمعي مني نصيحة شاعرٍ
متمرّسٍ في كلّ مختصَر مفيدْ
هي فرصة للماء كي يرتاحِ مِنْ
لهو الدوائرِ..لو قليلا بالركودْ
النوم أنفع للصغار بسنهِ
وغدا سيلعبُ في النواعر من جديدْ
الاثنين 24 كانون الأول- ديسمبر 2012
[b]
بسم الله الرحمن الرحيم
قراءة في قصيدة *قبانية الشام التي لم يكتبها نزار* للشاعر الجزائري الكبير محمد جربوعة
مقدمة
وأنا منهمك في جمع شتات قراءة سابقة لقصيدة *إشاعات* لنفس الشاعر المذكور
انقح ،وأزيد ما قد نقص إذ بنظري يقع على قصيدة اخرى بعنوان *قبانية الشام التي لم يكتبها نزار *كان ذلك على صفحتي في الفايس بوك .فتوقفت على الفور عما كنت أفعله لأن هذا العنوان استوقفني لأني رأيته لوحده قصيدة وكم كانت فرحتي كبيرة وسعادتي أكبر أتعرفون لماذا ؟ لأني كدت أنسى مع الناسين كلمة اسمها الشام لكثرة الصمت المطبق الذي يدور حولي حتى بدا لي أن الكلام في هذا الموضوع قد صار طابو من الطابوهات ،فما يقرره الأقوياء يجب أن يسود الجميع .
قيانية الشام التي لم يكتبها نزار هي مذهلة أخرى من مذهلات الشاعر الجزائري الكبير محمد جربوعة ليس لأن الشاعر أول من تناول هذا الموضوع فحسب بل للطريقة التي تناول بها الموضوع ،فهاهي الكلمة الجميلة تستحوذ على عقول المتلقين وقلوبهم مرة أخرى بدءا بالعنوان الى النص.
قبانية نسبة الى قباني ، فقباني هو نزار ونزار هو قباني،إنه أي الشاعر يسمي قصيدته بالقبانيةوالسؤال المطروح هنا هو لماذا لا يسميها مثلا جربوعية؟
انه -الشاعر- يتحمل المشقة والعبء ،إنه يتكفل شخصيا ووجدانيا بموضوع دمشق هذا الاسم الشامخ الذي كان وما زال يطرب أذن كل سامع وذلك في غياب نزار الذي لم يكتب عن هذا لأنه ليس حاضرا الآن من حسن حظه وفي حضوره لم تترك سعادة وهدوء وحب دمشق لنزار أن يكتب في مثل ما يكتب الآن محمدجربوعة لقد كتب نزار مرة واحدة في مثل هذه الحالات وكان ذلك في نكسة حزيران وفيما عدا هذا كان نزار يصف المرأة في أبهى صورها حتى صار شعره يرتشف مع قهوة الصباح .
قبانية :خبر لمبتدأ متعلق بمبتدأ محذوف هو هذه،وهي مضاف والشام مضاف إليه والتي صفة وما بعد لم جملة صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.
فلا صلة لكلمات القصيدة بنزار يظهر هذا من الوهلة الاولى حتى لا يختلط الأمر على المتلقي ، إنه انزياح آخر جميل لجربوعة فدمشق اليوم ليست دمشق نزار ،دمشق نزار هي دمشق الحب ،دمشق السعادة دمشق الحضارة .
إنه -الشاعر- يقول :انهض يا نزار وانظر دمشقك
إنه -الشاعر محمد جربوعة-يقول:أنا هنا أنا لها لم لا وكلماته ذهب يلبسه خواتم في يديه.
قالت :أتعرف ما أحس؟وما أريد؟
قلت:اطلبي..قالت:ولي طلب وحيد
إني أريدك أن تقول قصيدة
في الشام تصبح في الشوارع كالنشيد
فوضعت كفي فوق رأسي هكذا
وأشرت للعينين من جهة الخدود
فهمت على رأسي وعيني تكرمي
والشاميات إذا طلبنا فلا محيد
شردت وقالت لو نزار ها هنا
فأجبتها إني هنا فدعي الشرود
قالت :غرورك في القصيدة مذهل
والحكم يبقى على القصيد
يبدأ الشاعر قصيدته بهذا الحوارالتفاوضي كأنها جاءت بعد مخاض عسير والعسر سمة من سمات التفاوض ،لكن عهدي بالشاعر لا يترك ما يختلجه الصدر في صدره عهدي به يبوح ليتخلص من معاناته ،ليتخلص من مكنوناته ،فالسؤال الذي يطرح نفسه ها هنا،
ما سبب هذا البوح الذي جاء بعد الطلب طلب الشامية-الذات المقلقة- التي أرادت أن تكون القصيدة نشيدا في الشوارع يتغنى بها كل الناس بعد أن يتلقفوها ؟،ما سبب هذه الولادة العسيرة
التي توجت هذا التفاوض على البوح؟وياله من تتويج إنه قصيدة اختلفت عن كل القصائد التي تحدث أصحابها عن الأوطان وعن النكسات التي أصابتها كما دمشق الآن.
وللإجابة عن الأسئلة السابقة تعالوا نقرأ هذين الشطرين اللذين يمثلان بؤرة تشع بالدلالات:
عندما طلبت الشامية-الذات المصارعة- من الشاعر أن يقول قصيدة في الشام،هلع وقال:
فوضعت كفي فوق رأسي هكذا
وأشرت للعينين من جهة الخدود
وانت تقرأ هذين الشطرين فإنك تحاول أن تتمثل هذا المشهد فتضع أصبعك على خدك مشيرا إالى العينين محذرا من التطرق الى هذا الموضوع الذي أصبح من الطابوهات والموضوعات التي يمنع الحديث فيها ،
ونتسائل بعدها هل يحق للشاعر أن يسكت طول هذه المدة ولا يقول كلمة واحدة عن دمشق الشامخة عن دمشق الوليد ؟
في رأيي:والله يحق لشاعر مثل شاعرنا -محمد جربوعة-أن يسكت في هذه الظروف العصيبة التي اختلط فيها الحابل بالنابل يحق له لسبب واحد ، وهو كي لا ينطق كفرا
والمثل يقول:سكت دهرا ونطق كفرا،هذا من جهة ومن جهة أخرى فالقصيدة التي بين أيدينا ليست كفرا إنها قصيدة شامخة شموخ دمشق ،إن قائلها شاعر فاره حاذق يستخدم الكلمة استخداما لم يسبقه أحد فيها وعلى رأي الدكتور عباس الجنابي عندما علق على قصيدة -قدر حبه ولا مفر-لنفس الشاعر قائلا:لم يترك في هذه القصيدة لأحد أي شيء ،هاهو يفعلها محمد جربوعة مرة أخرى.
هذه الومضة الأولى للشاعر والطريقة التي دخل بها في بساط البوح كلاعب بالكلمات تارة وعازفا على جمال الكلمةطورا آخر.
لننتقل الآن في قرائتنا لهذا النص الثري به من الثابت الى المتحرك وأقصد بذلك من كائن لغوي الى كائن شخصي متحرك وبذلك نكون قد فككنا الدال واستنطقنا مدلوله والعلاقة بينهما ومن خلال قرائتنا السابقة للعنوان التي سبقت مستوى آخر كان الاجدر البدء به وهو المستوى الإيقاعي لكني تعمدت ذلك لعدم إتكائي على منهج واحد في قراءة هذا النص قلت ومن خلال القراءة تظهر لنا شعرية فيها كثير من العبقرية لأن الشاعر عبقري الخيال والجمال والحب زد على ذلك العمل المضمر في العنوان حتى أضحى يتوهج بالدلالة *قبانية الشام التي لم يكتبها نزار*فمن لايعرف نزار على شهرته ،يتسائل في البداية وما يكاد كذلك حتى يهتدي الى سر العلاقة بين الدال والمدلول،فقباني من الشام وقباني هو نزار ونزار غائب ،لكنه حاضَر بحضور الشاعر الذي تكفل بالشام وما يحدث فيها .
_قراءة النص:
1_المستوى الإيقاعي: علي أن أوضح أولا أنني عندما وقغت بنظري على القصيدة دون القراءة بدا لي أنها خالفت المعتاد في الوزن والقافية ونظام الشطرين وسوف أحيل القارئ في النهاية الى القصيدة كما وجدتها.
وعند قراءتي مرات ومرات إتضح أن القصيدة خليلية بامتياز .
وهذا مطلعها:قالت:أتعرف ما أحس؟ وما أريد؟**قلت اطلبي..قالت:ولي طلب وحيد
إني أريدك أن تقول قصيدة**في الشام تصبح في الشوارع كالنشيد
لقد اتخذ هذا النص الشعري الثري بلغته من البحر الكامل موسيقى إيقاعية له هذا البحر الذي لايناسب قدرة الشاعر في توليد المعاني وتطويع الحرف فحسب بل يناسب تجربته الشعرية التي ستلف القصيدة لفا والبحر الكامل يمنح هذا النص روحا جديدة في كل بيت وكل سطر فإذا سكنت الكلمة في الشطر الأول تتحرك في الشطر الثاني
لتحيا من جديد وطبيعة النص بموضوعه هي التي فرضت هذا البحر فالحياة تحتاج الى استمرار النبض والنبض دلالة على حياة القلب كيف لا والشاعر تكفل بدمشق ليس بالوكالة ولا بالانتحال أو التقمص وإنما بالقدرة الذاتية عنوانها التحد ي والجرأة .
شردت وقالت:لو نزار ها هنا ***فأجبتها:إني هنا فدعي الشرود
فبمجرد ما همست له نفسه -الشاعر- والنفس أمارة بالسوء والسوء الذي أقصده هنا هو
أن النفس نفس الشاعر أرادت أن تثنيه عما هو مقدم عليه فيجيبها على الفور إني هنا
لقد أراد الشاعر بالبحر الكامل وعمود الشعر عامة أن يقول أنا لها وهو ما حققه في النهاية في نظري عبر هذه القصيدة التي جاءت كسابقاتها :قدر حبه،إشاعات،نسيان.....إلخ.
ولك أن تتخيل عزيزي القارئ وأنت تستقر على تفعيلة البحر الكامل:متفاعلن متفاعلن متفاعلن هذا التماثل الجميل في التفعيلات وتكرارها، وماله من قيمة دلالية عميقة
يعمق التجربة التي يعانيها الشاعر من جهة والموقف الذي هو فيه من جهة أخرى وهوإزاء الحديث عن موضوع له فيه باع طويل إنه موضوع دمشق التي يعرفها كما يعرف نفسه إن تراكم هذه الأصوات وتشابهها وتعادلها والذي يتسلط على كثير من جمل النص وتفعيلاته ليس في الحقيقة موسيقى تفرضها القصيدة الخليلية فقط وإنما هي إشارة ومشروع رسالة قوية مفادها أنني إذا كنت قد كتبت في شعر التفعيلة ليس هذا هروب مني من التكلف والعوائق التي قد تعترض البوح فالشام شام الله وجذورها ضاربة في التاريخ الا تستحق قصيدة خليلية فراهيدية شامخة شموخ دمشق. ويكون الفراهيدي شاهدا على ذلك
أمثلة عن التشابه والتماثل:
بالشعر تهزم بالقوافي ،بالندى***بالبيت والبيتين تهزم،بالعمود
تثقين في-بقين- في إطفائها***تثقين في- بيبرس-في صد الجنود
وهذا التماثل والتشابه لا يمثل ما تكلمت عنه سابقا فحسب وإنما أيضا يعتبر سمة من سمات الشعرية لشاعر يطلق العنان لكلماته تقول و تشع دلالة.
2_ المستوى المعجمي : إن النص الذي بين أيدينا له من الثراء ما يجعله مؤهلا لإعادة القراءة لما في المعجم من دلالات متداخلة وكامنة لكنها متحركة هذا التحرك الذي اضفى جمالية معهودة لدى الشاعر .
يتكون هذا النص من 125فعلا و234 اسما و تنقسم الأفعال الى 22فعلا ماضيا و8 افعال امر بما يعني95 فعلا مضارعا.
فالملاحظة الأولى هي غلبة الأسماء على الأفعال لان الشاعر له يقين كبير في عدم استمرار الحالة التي هو بصدد الحديث عنها فحالة دمشق لا يجب ان تستمر فدمشق كيان ثابت ضارب في الجذور والاسماء الغالب على الافعال سمتها الثبات لا الحركة.
هي فرصة للماء كي يرتاح من*** لهو الدوائر ..لو قليلا بالركود
النوم انفع للصغار بسنه ***وغدا سيلعب بالنواعر من جديد
ولقد استعمل الشاعر8افعال أمر: اطلبي،دعي،تدللي،والتنتقي،اسمعي مرتين،اطمئني،تأكدي،ليؤكد أن الحالة التي تعانيها دمشق ليست مؤكدة وان الشام تعرف أهلها والامر الذي يحدث اليوم ليس حالة دائمة
-3- المستوى التركيبي:بعد صراع مع النفس يقرر الشاعر كتابة قصيدته في تحد منفرد منقطع النظير وهذا الصراع في الحقيقة جاء نتيجة تواضع هذا الاخير فهو لايريد أن يكتب قصيدة في حضرة الشاعر الراحل نزار حتى وهو ميت وهذا نبل من شاعر يعرف حق قدر شاعر وأي شاعر إنه نزار،لكن مايلبث هذا الصراع أن يضع حدا بعد الاستعطاف الجميل الذي جاء من الذات المصارعة للذات الشاعرة:
شردت وقالت لو نزار ها هنا****فاجبتها إني هنا فدعي الشرود
الإجابة كانت فورية وسريعة وليست متسرعة لأن الذات الشاعرة متمرسة ولديها ما يكفي من الجمال جمال الكلمة وما يكفي من التجربة الشعرية ،الخيال والجمال والحب
_قالت غرورك في القصيدة مذهل****والحكم يبقى في الأخير على القصيد
يالله،الشاعر كانه يساعدني في فك واستنطاق دلالات كلماته من بيت إلى آخرلذلك التركيب جاء غير معقد لا بالتأخير ولا بالتقديم على الرغم من الإنزياح الكلي للقصيدة الذي حول فيها الشاعر دمشق من شامخة تنكسر الآن على وقع ما يحدث لها إلى عروس يحتفل بها ويعطرها بأجمل ما في بحر اللغة.
هذي المدينةكالخرافة ،اسمعي****مملوءة بالسحركالعقد الفريد
قالت أشك بقدرتي في فهمها****وأشك في البسماتفي شفة الحقود
قلت الصوامع في السوادترينها****قالت أراها ،قلت:عادتها الصمود
-إذا كانت نكبة دمشق تحتاج إلى قصيدة تتوافق وهذا المعطى ففي هذا الخطاب تتحول دمش المنكوبة دمشق المطأطئة دمشق الراكعة من الذل الذي لحق بها إلى فتاة صغيرة
تجري وتلعب وتسقط لتنهض من جديد ولولا هذا السقوط ما نهضت ،إلى قلب بريء مثل بسمتها،الى طفل صغير يخاف من صوت الرعود
وتحب إطعام الحمام بكفها***وتخاف كالأطفال من صوت الرعود
ماذا تقول ؟دمشق أجهل طفلة****بالفعل يحرق أو يشردأو يبيد
قلت الصغيرة والبريئة دائما****تجري وتسقط ثمتنهض من جديد
أما البلاغة في هذا الخطاب فهي متحولة لأن الشاعر بصدد تخفيف الوطأة على الذات المتصارعة فلا يمكن له أن يكتب قصيدة رثائية ينعى فيها دمشق فدمشق تعرف أهلها ودمشق تعرف في الحرب كيف تصنع بالورود فضد الحزن والمعاناة السعادة التي تفوح رائحتها في هذه القصيدة
يتحول الدخان دخان البارود وما شاكل الى دخان عود طيب الرائحة وهذه الصورة المليئة بالدلالات نجدها في هذه الأبيات:
النار تحرق في دمشق عبيرها***لتفوح بالإحراق،رائعة كعود
فالنار هنا التي تحرق في دمشق إنما هي ناتجة عن رائحة العود الطيب
كأني بالشاعر يقول : إن الذي يحدث في دمشق ماهو الا أمر طبيعي
فثنائية الصراع بين الخير والشر ماهي إلا سقوط يتلوه نهوض _إن بعد العسر يسرا_
بهذا فقط تستطيع الذات المتصاررعة أن تهدأ فتهدأ معها الذات الشاعرة.
فا المستوى التركيبي لم يستوقفنا كثيرا لبعد القصيد عن التعقيد النحوي لأن الشاعر تعامل مع القصيدة في الحقيقة بذكاء فالخطاب هنا موجه للكل ومخاطبة الكل تقتضي الحديث بما يفهم لا ترك المتلقين يهيمون باحثين عن وظيفةكل كلمة ومحلها وعلاقتها بما قبلها وما بعدها وتقديمها أوتأخيرها
لكن على المستوى البلاغي فقد أخذت البلاغة حصة الأسد لأن الشاعر إنزاح بالقصيدة
ليحول دمشق بحالتها الآن إلى دمشق أخرى دمشق المعطرة دمشق العروس
دمشق التي ستولد من جديد ،فاستعمل -الشاعر- الاستعارة والمجاز والتمثيل وكل ما يتعلق بالصورة
لله علّمها طريق ذهابها
وطريقَ عودتها، وتذهب كي تعودْ
قد شُبّهتْ مثل المسيحِ لترتقي
وفقطْ ليُصلبَ دونها واشي اليهودْ
(كرمال عيون الشام) هذي فلةٌ
كي تعرفي ما الفلّ في الزمن الشديدْ
والورد شيمته الوفاء لعطرهِ
حتى إذا في الحرب يُسقى بالوقودْ
فتصلّبي للنار لا تتفحّمي
فبنات أهل الشامِ أشبه بالورودْ
-4 المستوى الدلالي :قد كانت المستويات السابقة الايقاعي والمعجمي والتركيبي
الاطار العام للقصيدة وهي المكونة للبنية الأساسية للنص فمن العنوان تتبين دلالات النص فالشاعر لم يسم قصيدته بالجربوعية كما أسلفت بل سماها بالقبانية
ونحن نعرف قبان نزار الذي كتب كثيرا عن جمال المرأة ووصف أجمل ما فيها
والسؤال هنا :إذا كان نزار كذلك ،فكيف يسمي الشاعر جربوعة باسمه قصيدة طبعا دون أن ينسبها إليه وهي تتحدث عن غير الجمال إنها تتحدث عن أبشع من غير الجمال إنها تتحدث عن الحرب وما لحقته بدمشق هذا هو المفترض فيه أن يكون تلك هي المسألة التي تحدثت عنها في البداية في تحليلي للعنوان ولكم أن تعودوا إليه ؟.
فمن البداية تتضح الدلالة وتتوسع وتدخل ضمن بؤر تكاد تكون مخفية داخل النسيج نسيج القصيدة وهذه هي سمة الشعر الحديث.
حيث تظهر لنا بعد تحسسنا لبنيات النص شخصيتان متصارعتان :الذات المقلقة وهي النفس وما تحدثه من تصورات وتخيلات وعذابات ومعاناة دائمة .
والذات الشاعرة التي فضلت الصمت في البداية لأن الكلام في مثل هذا الموضوع في مكان معين وفي زمان معين قد يجلب مشاكل للذات الشاعرة هي في غنى عنها
قالتْ: أتعرفُ ما أحسُّ ؟ وما أريدْ ؟
قلتُ: اطلبي..قالتْ: ولي طلبٌ وحيدْ
إنّي أريدكَ أن تقولَ قصيـــــــــــــــدةً
في الشّامِ، تصبحُ في الشوارع كالنشيدْ
فوضعتُ كفّي فوق رأسي هكذا
وأشرتُ للعينينِ من جهة الخدودْ
فهِمَتْ:على رأسي وعيني..(تِكْرَمي)
والشامياتُ إذا طلبنَ فلا مَحيدْ
وأخيرا تتغلب الذات الشاعرة على الذات الممصارعة ،وذلك بالإهتداء إلى كتابة قصيدة عن دمشق كما تراها الذات الشاعرة لا كما تراها الذات الأخرى التي
شردتْ وقالتْ: (( لو نِزارٌ هاهنا..))
فأجبتُها: إني هنا.. فدعي الشرودْ
قالتْ: غروركَ في القصيدة مذهلٌ
والحكمُ يبقى في الأخير على القصيدْ
قلتُ: الخواتمُ في يديّ، تدلّلي
ولتنتقي منها لشامكِ ما تريدْ
ما لي أراكِ غزالةً مفزوعةً
والنبض في جنبيكِ كالظبي الطريدْ ؟.
5_رسالة النص
الرسالة من ناحية العنوان كانت واضحة لغويا فالقصيدة من ناحية العنوان كانت إهداء الى روح الشاعر الكبير نزار قباني من جهة ومن جهة أخرى هو تكفل من طرف الشاعر بدمشق لكنه أي تكفل فالشاعر لا يريد أن يفزع نزار الغائب بما يحدث في دمشقه التي تركها على خير حال بل عمد الى إ مواصلة المشوار مشوار نزار في الحديث عن دمشق كما لو كانت في عهده وما يحدث ماهو إلا قدر إلهي ولعل البيتين الآتيين يوضحان ما ذهبت اليه في استنطاق الدلالة.
لنفترضْ أنّ الهوى فيها انحنى
هل تُنقصُ العُبّادَ وضعيةُ السجودْ ؟
الأمر معقولٌ هنا جدا ولا
يحتاجُ في إثبات ذلك للشهودْ
ما هذا التصوير البديع كيف لبلد يركع وينحني احتراقا أن يكون عابدا كأني بي استحضر الآيات الكريمة
قال الله تعالى : ( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى العَالَمِينَ ) (البقرة: من الآية251 )
وقال تعالى : ( وَلَوْلا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) (الحج:40-41
هل هناك تصوير أجمل وأبدع مما يبدعه الشاعر هكذا أراد أن يخرج الذات الحزينة مما هي فيه باستسلا مها لقضاء الله وقدره تلك هي الرسالة التي أراد الشاعر من جهةالنص أن يبلغها . وفق الله شاعرنا وأدعوا كل المهتمين بالكلمة الالتفات الى هذا الشاعر الفاره الجميل
قراءة:الأستاذ الشاعر :الطاهر عمرئ
قبّانية الشام التي لم يكتبها نزار
شعر : محمد جربوعة
إطلع على مواضيعي الأخرى
[ شوهد : 324 مرة ]
الشاعـــر : محمد جربوعة
قالتْ: أتعرفُ ما أحسُّ ؟ وما أريدْ ؟
قلتُ: اطلبي..قالتْ: ولي طلبٌ وحيدْ
إنّي أريدكَ أن تقولَ قصيـــــــــــــــدةً
في الشّامِ، تصبحُ في الشوارع كالنشيدْ
فوضعتُ كفّي فوق رأسي هكذا
وأشرتُ للعينينِ من جهة الخدودْ
فهِمَتْ:على رأسي وعيني..(تِكْرَمي)
والشامياتُ إذا طلبنَ فلا مَحيدْ
شردتْ وقالتْ: (( لو نِزارٌ هاهنا..))
فأجبتُها: إني هنا.. فدعي الشرودْ
قالتْ: غروركَ في القصيدة مذهلٌ
والحكمُ يبقى في الأخير على القصيدْ
قلتُ: الخواتمُ في يديّ، تدلّلي
ولتنتقي منها لشامكِ ما تريدْ
ما لي أراكِ غزالةً مفزوعةً
والنبض في جنبيكِ كالظبي الطريدْ ؟
أولستِ بنت الشّام ؟ قالت لي: بلى
أولستِ مؤمنةً بعاصمة الوليدْ ؟
قالت: صحيحٌ أنني شاميّةٌ
لكنني أنثى، أخافُ بلا حدودْ
إني أخاف على دمشقَ وأهلها
قلت: اطمئنّي سوف يحفظها المجيدْ
قالت: أوَعْدٌ ؟قلتُ: وعدٌ صادقٌ
وستذكرينَ – تأكّدي- هذي الوعودْ
وستضحكينَ مِن الذي قد قلتِ لي
قالت: سأضحكُ حين يبتسمُ الشهيدْ
هذي المدينةُ كالخرافةِ ، اسمعي
مملوءةٌ بالسحر، كـ ( العقد الفريدْ)
قالت: أشكّ بقدرتي في فهمها
وأشكّ في البسمات في شفة الحقودْ
لم أقرأ (العقد الفريدَ) I am sorry
لكن دمشقُ أحسّها جوف الوريدْ
قلتُ: الصوامعُ، في السوادِ، ترينها؟
قالت: أراها، قلت: عادتها الصمودْ
تثقينَ في (بقّينَ) في إطفائها؟
تثقين في (بيبرسَ) في صدّ الجنودْ ؟
تثقينَ في (قسيونَ)؟ يضحك ساخرا
إن قيل إنّ الشام تُحرق في السفودْ ؟
تثقينَ فيها؟..في شوراعها التي
في الحرب تعرف كيف تصنع بالورودْ؟
قالت: دمشقُ صغيرةٌ وبريئةٌ
لدمشق قلبٌ مثل بسمتها سعيدْ
وعلى الدمى كانت تنامُ، وحلمها
عنْ وردتينِ على الضفائرِ لا يزيدْ
وتحبُّ إطعام الحمامِ بكفّها
وتخافُ كالأطفالِ مِن صوت الرعودْ
ماذا تقولُ؟دمشقُ أجهل طفلةٍ
بالفعل ( يحرقُ) أو (يشرّدُ) أو (يبيدْ)
قلتُ: الصغيرةُ والبريئةُ دائما
تجري وتسقطُ ثم تنهض من جديدْ
هل تعرفين دمشق مثل جبالها؟
ومياهها وترابها منذ الجدودْ ؟
ولنفترضْ أنّ الهوى فيها انحنى
هل تُنقصُ العُبّادَ وضعيةُ السجودْ ؟
الأمر معقولٌ هنا جدا ولا
يحتاجُ في إثبات ذلك للشهودْ
العقدُ يمكن أن يضيعَ وفصّهُ
هل ذاك يعني للبنات ضياعَ جيدْ ؟
لا تحزني.. فالشامُ تعرفُ أهلها
وتشمّهم كالثوب في سلك الحدودْ
كل العواصمِ قد تحزّ قيودُها
والشامُ تخجلُ مِن معاصمها القيودْ
النارُ تحرقُ في دمشق عبيرها
لتفوح بالإحراق، رائعةً كعودْ
هل تعلمينَ بأنّها محميةٌ ؟
قالت: أها.. وإذن فمنكم نستفيدْ
هذي شآم الله ليست (دميةً
روسيةً) للشرقِ جاءتْ في البريدْ
الله علّمها طريق ذهابها
وطريقَ عودتها، وتذهب كي تعودْ
قد شُبّهتْ مثل المسيحِ لترتقي
وفقطْ ليُصلبَ دونها واشي اليهودْ
(كرمال عيون الشام) هذي فلةٌ
كي تعرفي ما الفلّ في الزمن الشديدْ
والورد شيمته الوفاء لعطرهِ
حتى إذا في الحرب يُسقى بالوقودْ
فتصلّبي للنار لا تتفحّمي
فبنات أهل الشامِ أشبه بالورودْ
لا تذكري حلبا..فتلك حكايةٌ
أخرى تعود بنا إلى وجع القدودْ
بالشعر تَهزمُ ،بالقوافي، بالندى
بالبيت والبيتينِ تهزم، بالعمودْ
بـ (أتابكية قانَصوهَ) وحبرها
بأبي فراسٍِ ممسكا (باب الحديدْ)
حمصٌ..جذورُ العهدِ فيها تينةٌ
تمتدُّ تحت ترابها لابنِ الوليدْ
فالنسغُ من تلك العظام شجاعةٌ
تسري بغصن، أو تبرعمُ بالبنودْ
لا تلمسي ناعورة مكسورةً
تدري حماةٌ كيف تجبُرُ كسرَ عودْ
يشتاق ماء النهر أدري جيدا
مثل الصغار إلى أراجيح السدودْ
قالت: نعمْ..والماءُ طفلٌ عابثٌ
حرموهُ من حقّ الطفولة في الوجودْ
قلتُ: اسمعي مني نصيحة شاعرٍ
متمرّسٍ في كلّ مختصَر مفيدْ
هي فرصة للماء كي يرتاحِ مِنْ
لهو الدوائرِ..لو قليلا بالركودْ
النوم أنفع للصغار بسنهِ
وغدا سيلعبُ في النواعر من جديدْ
الاثنين 24 كانون الأول- ديسمبر 2012
[b]