دوح الأدب و النقد

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
دوح الأدب و النقد

دوح الأدب و النقد


    العصر العباسي الثاني

    د. محمد بكر سلمي
    د. محمد بكر سلمي
    المديرالعام


    عدد المساهمات : 91
    تاريخ التسجيل : 07/08/2009

    العصر العباسي الثاني Empty العصر العباسي الثاني

    مُساهمة  د. محمد بكر سلمي السبت ديسمبر 26, 2009 7:45 am

    العصر العباسي الثاني
    ( الحياة السياسية – الاجتماعية والاقتصادية – الفكرية )
    أولاً الحياة السياسية :
    بدأ العصر العباسي الثاني سنة 232 هـ وذلك بمقتل الخليفة المتوكل على أيدي الجنود الأتراك المتنفذين في الحكم ، فلقد قوَّى والده المعتصم نفوذ الأتراك في الدولة بعد أن استبعد الفرس من الوزارات والأعمال الرفيعة التي كانوا يشغلونها في العصر العباسي الأول ولمدة مائة عام وذلك لعدة أسباب .
    أسباب تقوية نفوذ الترك في عهد المعتصم :
    1- ضغينة المعتصم للفرس حيث أشاروا على والده أن يجعل ولاية العهد لأخيه محمد بدلا منه ولكن الأمر جاء على غير هواهم إذ رأى أخيه انه لا يصلح لهذا الأمر إلا أحمد المعتصم .
    2- يمت المعتصم للترك بالخؤولة حيث أن أمه مارده التركية مهدت لحبه لهم كأخوال ورحم .
    3- القوة التي كان يتمتع بها المعتصم والتي كانت تشبه قوة الترك في بسطة الجسم وقد كان المعتصم يرى أنه استمدها من أخواله فهو اقرب لهم خَلقاً و خُلقاً .
    لقد أدى سيادة العنصر التركي في الدولة العباسية إلى فوضى عمت جميع مرافق الدولة بعد المعتصم ، فقُتل المتوكلُ على أيديهم ، ثم جعلوا يتدخلون في تولية الخلفاء وعزلهم حتى أن بعض الخلفاء لم يدم حكمه عدة أشهر ، ولم يحكم الخليفة ابن المعتز إلا يوما واحدا .
    وارتد ذلك كله على الناس والمجتمع ، فعاث الجنود الأتراك في البلاد فساداً ، وكثر السلب والنهب وعدم الاستقرار والخوف على الأموال والأنفس والأعراض ، ويروى أن أحد الجنود الأتراك اقتحم منزل أحد الأشراف في غياب صاحبه ، وذلك للاعتداء على الحريم ، فلم يستطع أحد التصدي له ، وما كان من أحد الغيورين إلا أن شرع في الأذان ، فسمعه الخليفة واستدعاه ليرى فيه رأياً لقدومه على هذه المخالفة ، فأخبر الخليفة بأمر الجندي ، واعتذر بأنه لم يجد وسيلة للوصول إلى مجلس الخليفة بسبب حجب الجنود الأتراك للناس عن الوصول إلى مجلسه فبادر الخليفة ومن حضر عنده من كبار القادة بإنقاذ هذا البيت الشريف من الأذى ، وهذه الصورة تبين مدى ما وصل إليه المجتمع في هذا العصر من الانحطاط .
    ثانيا : الحياة الاجتماعية والاقتصادية :
    المحنا إلى عدم الاستقرار والخوف والاضطراب الذي عم المجتمع ؛ لذا تعطلت الحياة المدنية ولم يستطع الناس ممارسة أعمالهم في أمن وخافوا على أعراضهم وأموالهم ، وكان نتيجة ذلك أن عم الجوع والحرمان قطاعات كبيرة من الناس , وكان الأثرياء يخافون على أموالهم لذا وجدنا من يُمدح فيبْخَل في العطاء ، فيهجوه الشاعر في المقام نفسه ، ويُسر الرجلُ بالهجاء أكثر من المدح ؛ لأنه إعلان لعدم قدرته على العطاء ، وقد كثر ذلك حتى أصبح مدح الرجل وذمه في مقام واحد اتجاهاً ملحوظاً في دواوين شعراء هذا العصر , وكان ذلك إعلاناً على تفشي الفقر والبطالة ، كما امتلأت الأسواق بالمكدين .
    ثالثا : الحياة الفكرية :
    الحياة الفكرية هي الجانب المضيء في العصر العباسي الثاني حيث أن الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية المزرية كانت هي الجانب المظلم في ذلك العصر .
    لقد تمتع الفكر والتأليف العلمي والأدبي بأفضل ما يتمتع به العلماء , حيث وصلهم نتاج العصور السابقة من تصانيف العلوم فأنتجوا لنا الموسوعات التي لم يؤلف مثلها قبل العصر العباسي الثاني ولا بعده إلى يومنا هذا ، ويكفي أن نشير إلى كتب مثل : الأغاني ، الشعر والشعراء ، البيان والتبيين ، الحيوان ، نقد الشعر ، نقد النثر ، الأمالي ، العمدة ، أسرار البلاغة ، دلائل الإعجاز ، الصناعتين ، العقد الفريد ، ومعظم كتب التفسير ، والمعاجم اللغوية ، وغير ذلك المئات من كتب اللغة النحو والقراءات والأدب والنقد .
    صورة الأدب وفق مؤثرات الحياة في العصر العباسي الثاني
    صورة الأدب وفق المؤثر السياسي :انقسم الأدب وفق مؤثر السياسة إلى اتجاهين:
    الاتجاه الأول : وهو اتجاه واسع مثله كثير من الشعراء المقربون من الحكام والمنتفعون بهذه الصلة ، فيغدق الحكام عليهم الأموال ، وهؤلاء الأدباء يتولون مدح الحكام ، وقلب سيئاتهم حسنات ، والمتنبي خير من يمثل هذا الاتجاه ، وذلك في قصيدته البائية في مدح سيف الدولة .
    الاتجاه الثاني : وهو اتجاه أقل انتشاراً من الاتجاه السابق ، ويمثل هذا الاتجاه الأدباء الذين تمنعهم عزة أنفسهم من نفاق الحكام ، ويعد أبا فراس الحمداني الأمير الأسير ممثلاً لهذا الاتجاه.
    صورة الأدب وفق المؤثر الاجتماعي والاقتصادي : انقسم الأدب وفق المؤثرات الاجتماعية والاقتصادية إلى اتجاهات أربعة :
    الاتجاه الأول : شعراء أرستقراطيون ينعمون بالأموال ولم يعانوا من أزمات المجتمع ، وهم الأمراء والمقربون منهم ، ويمثل هذا الاتجاه الشريف الرضي كما نرى في كافيته الغزلية .
    الاتجاه الثاني : الأدباء والشعراء الفقراء والمحرومون ، يمثل هذا الاتجاه شعراء الكدية وشيخهم أبو دلف الخزرجي خير من يمثل هذا الاتجاه ، وانفرد بديع الزمان الهمذاني والحريري مبدعا فن المقامات بتعزيز هذا الاتجاه فيما أسميته الأدب الموازي لاتجاه الكدية ؛ ذلك أنهم أبدعوا في هذا الاتجاه وهم ليسوا من المكدين .
    الاتجاه الثالث : شعراء ظهر عليهم الزهد والعزوف عن الدنيا كابي العلاء المعري في قصيدته الكافية في رثاء القاضي أبي حمزة التنوخي .
    الاتجاه الرابع : يترجم ما عليه الناس من حرمان ويحاول إشباع رغباتهم كحكايات ألف ليلة وليلة .
    صورة الأدب وفق المؤثرات العقلية والفكرية : ألمحت إلى أن الحياة الفكرية هي الجانب المضيء في العصر العباسي الثاني ، ويمثل ذلك كثرة التأليف غير المسبوق ، والتي لم يؤلف مثله حتى عصرنا هذا في شتى العلوم والفنون ، بالقياس مع الجانب السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذين يمثلون الجانب المظلم لذلك العصر ، ولقد ظهر تأثير هذا الجانب المظلم على صفحة الأدب والشعر ، فبرغم شموخ وأنفة المتنبي الذي ملأ الدنيا صيته وشعره ، والذي يقول:
    أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي وأسمعــت كلماتـي من به صمــم
    أنام ملء جفوني عن شواردها ويسهر الخلق جراها ويختصموا
    نراه يقول في ذلة تظهر هوان المجتمع ممثلاً في نفسه ذلاً وضعة :
    أبا المسك هل في الكأس شيئاً أناله فإني أغني منــذ حين وتشـرب
    وأكثر ما يظهر ذلك في قصيدته التي وصف فيها هوان نفسه وهو مريض بالحمى في مصر .

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت نوفمبر 23, 2024 2:45 pm