دوح الأدب و النقد

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
دوح الأدب و النقد

دوح الأدب و النقد


3 مشترك

    الصورة الفنية في قصيدة لوحة على الجدار

    د. محمد بكر سلمي
    د. محمد بكر سلمي
    المديرالعام


    عدد المساهمات : 91
    تاريخ التسجيل : 07/08/2009

    الصورة الفنية في قصيدة لوحة على الجدار Empty الصورة الفنية في قصيدة لوحة على الجدار

    مُساهمة  د. محمد بكر سلمي السبت أغسطس 29, 2009 11:35 pm


    [size=24]
    الصور الفنية في قصيدة
    ( لوحة على الجدار )
    لمحمود درويش
    دراسة بقلم الدكتور/ محمد بكر سلمي


    أولاً : القصيدة


    لوحة على الجدار
    و نقول الآن أشياء كثيرة
    عن غروب الشمس في الأرض الصغيرة
    و على الحائط تبكي هيروشيما
    ليلة تمضي، و لا نأخذ من عالمنا
    غير شكل الموت
    في عز الظهيرة .
    ..و لعينيك زمان آخر
    و لجسمي قصة أخرى
    و في الحلم نريد الياسمين،
    عندما وزّعنا العالم من قبل سنين
    كانت الجدران تستعصي على الفهم
    و كان الأسبرين
    يرجع الشبّاك و الزيتون و الحلم إلى أصحابه
    كان الحنين
    لعبة تلهيك عن فهم السنين
    ..و نقول الآن أشياء كثيرة
    عن ذبول القمح في الأرض الصغيرة
    و على الحائط تبكي هيروشيما
    خنجرا يلمح كالحق، و لا نأخذ عن عالمنا
    غير لون الموت
    في عز الظهيرة..
    في اشتعال القبلة الأولى
    يذوب الحزن
    و الموت يغني
    و أنا لا أحزن الآن
    و لكني أغني
    أي جسم لا يكون الآن صوتا
    أي حزن
    لا يضم الكرة الأرضية الآن
    إلى صدر المغني ؟!
    ..و نقول الآن أشياء كثيرة
    عن عذاب العشب في الأرض الصغيرة
    و على الحائط تبكي هيروشيما
    قبلة تنسى ، و لا نأخذ من عالمنا
    غير طعم الموت
    في عزّ الظهيرة..
    ألف نهر يركض الآن
    و كل الأقوياء
    يلعبون النرد في المقهى،
    و لحم الشهداء
    يختفي في الطين أحيانا
    و أحيانا يسلي الشعراء!
    و أنا يا امرأتي أمتصّ من صمتك
    في الليل.. حليب الكبرياء!
    ..و نقول الآن أشياء كثيرة
    عن ضياع اللون في الأرض الصغيرة
    و على الحائط تبكي هيروشيما
    طفلة ماتت. و لا نأخذ من عالمنا
    غير صوت الموت
    في عز الظهيرة

    ..
    ثانياً : الدراسة

    شغل الشاعر بقضية شعبه الفلسطيني ، فسجل في قصيدته معاناة اللاجئين ، وما لاقى الفلسطينيون من اللامبالاة الدولية ،ومن تفريط أخوة الدم والدين ، وقد استخدم الشاعر التصوير الفني لإظهار هذه المفاهيم ، ومن يقرأ النص يلاحظ اهتمام الشاعر بتقنية التقسيم والتكرار ، كما يلاحظ اهتمامه بإظهار البعد الزمني وأثره البالغ على الشعب والقضية ، وقد استخدم الشاعر اللغة الشاعرية ، ما مكنه من عرض وتصوير قضية فكرية سياسية بطريقة أدبية فنية . وانقسمت الصورة الشعرية في القصيدة إلى : صورتين كليتين ، كانتا كالإطار الذي يعرض من خلاله الخطوط العامة للقضية ، وثلاث صور جزئية تتخلل تلك الإطارات التي تبرز صوره الكلية ، وذلك على النحو التالي :
    الصورة الكلية الأولى
    ( 1 )
    و نقول الآن أشياء كثيرة
    عن غروب الشمس في الأرض الصغيرة
    و على الحائط تبكي هيروشيما
    ( 2 )
    ..و نقول الآن أشياء كثيرة
    عن ذبول القمح في الأرض الصغيرة
    و على الحائط تبكي هيروشيما
    ( 3 )
    ..و نقول الآن أشياء كثيرة
    عن عذاب العشب في الأرض الصغيرة
    و على الحائط تبكي هيروشيما
    ( 4 )
    ..و نقول الآن أشياء كثيرة
    عن ضياع اللون في الأرض الصغيرة
    و على الحائط تبكي هيروشيما




    يرسم الشاعر صورة لمأساة الشعب الفلسطيني كما يراها بعد الهجرة بزمن طويل ، إنه يرسمها ( الآن ) حيث ضاع اللون وأوشكت أن تطمس معالم القضية ، وقد فهم ذلك من المشهد الرابع من صورته ، وقد رصد الشاعر العذابات التي مر بها الشعب الفلسطيني منذ غروب شمس يوم الرحيل ( الهجرة ) ، وحزن أرض الوطن على فراق أهلها ، فقد ذوت الأزهار وذبل القمح ، وقد أضاف الشاعر صفات إنسانية للعشب الذي يحف بالطرقات الفاصلة بين الحقول ، أو النابت خلف جدران البيوت الريفية ، حيث فتك المحتل بالمكان وغير من معالمه ، فعانى العشب مرارة العذاب جراء ذلك .

    لقد لخص الشاعر تلك المشاهد وهذه العذابات التي رسم صورتها في المقاطع الأربعة ، في صورة لها وقعها الأليم في البشرية جمعاء ، ألا وهي كارثة هيروشيما ، فقد كانت كارثة الهجرة عنده كمأساة هيروشيما
    .
    الصورة الكلية الثانية
    ( 1 )
    ليلة تمضي، و لا نأخذ من عالمنا
    غير شكل الموت
    في عز الظهيرة .
    ( 2 )
    خنجرا يلمح كالحق، و لا نأخذ من عالمنا
    غير لون الموت
    في عز الظهيرة..
    ( 3 )
    قبلة تنسى ، و لا نأخذ من عالمنا
    غير طعم الموت
    في عزّ الظهيرة..
    ( 4 )
    طفلة ماتت. و لا نأخذ من عالمنا
    غير صوت الموت
    في عز الظهيرة..




    يصور الشاعر معاناته ومعاناة شعبه الذي خذله العالم بأسره رغم وضوح الحق ، فلا معين من ذوي القربى ، ولا ناصر من أخوة الدين ، فكأنهم نسوا ـ المسجد الأقصى ـ تلك القبلة السليبة التي كانت تجمعهم في يوم من الأيام ، إنها معاناة شعب ميت في صورة أحياء ، إنه شعب عرف الموت أشكالاً وألواناً ، بل ذاق طعمه وسمع صوته ، على مسمع ومرأى العالم الذي يشارك في تعزيز الضياع والموت للشعب الفلسطيني .

    ونحن نضع التكرار الذي عني به الشاعر وألح عليه في الصورتين السابقتين ضمن البعد النفسي الذي سيطر علي الشاعر والناتج عن معاناته ومعايشته لكل المراحل التي صورها
    .

    الصور الجزئية

    بعد أن رسم الشاعر الصورتين الكليتين الرئيستين ، قام بنثر بعض الصور الجزئية التي تعزز تلك الصور الكلية ، وقد استخدم الشاعر تقنية اللغة الشعرية في إبراز صوره ، فقد أنشأ الشاعر تركيبة لغوية ذات أبعاد شعورية ونفسية وطاقات دلالية مستمدة من واقع المأساة .
    ( 1 )
    ..و لعينيك زمان آخر
    و لجسمي قصة أخرى
    و في الحلم نريد الياسمين،
    عندما وزّعنا العالم من قبل سنين
    كانت الجدران تستعصي على الفهم
    و كان الأسبرين
    يرجع الشبّاك و الزيتون و الحلم إلى أصحابه
    كان الحنين
    لعبة تلهيك عن فهم السنين

    في الأيام الأولى بعيد الهجرة ، كان يراود الفلسطيني حلم العودة ،إنه الحلم الذي نتلهى به عن الواقع المر ، بينما كانت عيون الآخرين ونظراتهم بعيدة عن واقعنا ، وكأنهم من زمن آخر لا علاقة له بما نعانيه وتظهر آثاره على أجسامنا
    ( 2 )
    في اشتعال القبلة الأولى
    يذوب الحزن
    و الموت يغني
    و أنا لا أحزن الآن
    و لكني أغني
    أي جسم لا يكون الآن صوتا
    أي حزن
    لا يضم الكرة الأرضية الآن
    إلى صدر المغني ؟!
    لم يغير الزمن شيئاً من واقعنا ، ولم تتغير نظرة العالم لنا ، ولم يستطع مشهد إحراق المسجد الأقصى ـ القبلة الأولى ـ أن يغير من إيقاع الموقف العالمي ، ودخل هذا الحادث ـ كغيره من الحوادث ـ ضمن معزوفة اللامبالاة التي ذابت في أحزاننا نحن الموتى الأحياء ، إننا نحن الموت يغني .
    ( 3 )
    ألف نهر يركض الآن
    و كل الأقوياء
    يلعبون النرد في المقهى،
    و لحم الشهداء
    يختفي في الطين أحيانا
    و أحيانا يسلي الشعراء!
    و أنا يا امرأتي أمتصّ من صمتك
    في الليل.. حليب الكبرياء!
    تمضى الحياة مسرعة كتدفق مياه النهر ، والجميع عنا لاهون ، ونحن نقدم الشهيد تلو الشهيد ، فقد توثقت العلاقة بيننا وبين أرضنا وقضيتنا ، فنشأنا وتربينا على كبرياء وعزة صاحب الحق المؤمن بحقه .

    [/size]


    عدل سابقا من قبل د. محمد بكر سلمي في الثلاثاء سبتمبر 08, 2009 2:54 pm عدل 1 مرات
    halaa
    halaa


    عدد المساهمات : 35
    تاريخ التسجيل : 20/08/2009

    الصورة الفنية في قصيدة لوحة على الجدار Empty رد: الصورة الفنية في قصيدة لوحة على الجدار

    مُساهمة  halaa الثلاثاء سبتمبر 01, 2009 11:12 pm

    halaa
    شكرا جزيلا دكتور محمد بكر

    لقد كنت موفق في اطلالتك النقدية هذه التي حملتنا معك الى ارض الفنون الشعرية
    واستطعت ان تطلعنا على خفايا السطور الشعرية التي لا يستطيع غير الناقد الخبير ان يستنبطها
    وتقبل منا اعضاء المنتدى اجمل التهاني والتبريكات بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك
    ودمت بود ومحبة
    هديل
    هديل


    عدد المساهمات : 14
    تاريخ التسجيل : 16/08/2009

    الصورة الفنية في قصيدة لوحة على الجدار Empty رد: الصورة الفنية في قصيدة لوحة على الجدار

    مُساهمة  هديل الثلاثاء سبتمبر 08, 2009 2:33 pm

    مشاركة رائعة وحضور أروع
    مشكور يا دكتور ودمت بود

      الوقت/التاريخ الآن هو الثلاثاء مايو 07, 2024 2:39 am